كَانَتْ شَمْسُ الأَلْوَانِ مُشْرِقَة فَوْقَ مَدِينَةِ الثَّلْجِ الْمُلَوَّنَةِ، وَالثَّلْجُ يَتَلَأْلَأُ كَحَبَّاتِ السُّكَّرِ فَوْقَ السَّاحَاتِ، وَالْقُلُوبُ يَعُمُّهَا السَّلَامُ وَدَافِئَةٌ رَغْمَ الْبَرْدِ.
فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، تَجَمَّعَ الْكِبَارُ وَالصِّغَارُ فِي الْمَلْعَبِ، اسْتِعْدَادًا لِمُشَاهَدَةِ مُبَارَاةِ نِهَائِيِّ بُطُولَةِ كُرَةِ الثَّلْجِ.
كَانَ “ثَلْجُونُ الأَحْمَرُ” مَسْؤُولا علَى التَّنْظِيمِ، يَتَحَرَّكُ بَيْنَ الصُّفُوفِ، يَتَأَكَّدُ مِنْ أَعْلَامِ الْفِرَقِ، وَمِنْ صَفَّارَةِ الْحَكَمِ، وَمِنْ تَوْجِيهِ الْأَطْفَالِ نَحْوَ الْمَقَاعِدِ.. كُلُّ شَيْءٍ بَدَا مِثَالِيًّا… حَتَّى الآن.
فِي الْمَلْعَبِ، ارْتَدَى فَرِيقُ “النُّجُومِ الزَّرْقَاءِ” أَشْرِطَةً سَمَاوِيَّةً عَلَى أَذْرُعِهِمْ، وَوَقَفُوا بِثِقَةٍ إِلَى جَانِبِ فَرِيقِ “الْعَاصِفَةِ الْبَيْضَاءِ”، الَّذِي انْضَمَّ إِلَيْهِ سَمْعُونُ مُتَوَتِّرًا، يَضْرِبُ الثَّلْجَ بِرِجْلِهِ وَهُوَ يَنْتَظِرُ صَفَّارَةَ الْبِدَايَةِ.
أَمَّا شَمْشُونُ، فَجَلَسَ فِي الْمَدَرَّجَاتِ، يُلَوِّحُ بِذِرَاعَيْهِ، وَيَصْرُخُ:“هَيَّا يَا سَمْعُونُ! لَا تَسْمَحْ لَهُمْ بِأَخْذِ الْكَأْسِ!”
انْطَلَقَتِ الْمُبَارَاةُ، وَتَقَاذَفَتِ الْأَقْدَامُ الْكُرَاتِ الثَّلْجِيَّةَ، وَتَعَالَتْ أَصْوَاتُ الْجَمَاهِيرِ تُشَجِّعُ فَرِيقَهَا الْمُفَضَّلَ.. وَكُلَّمَا مَرَّتِ الدَّقَائِقُ، بَدَا أَنَّ “النُّجُومَ الزَّرْقَاءَ” يُسَيْطِرُونَ عَلَى الْكُرَةِ، وَسَمْعُونُ يُخْطِئُ التَّمْرِيرَ، يَتَعَثَّرُ، وَيَثُورُ غَضَبًا عَلَى اللَّاعِبِينَ وَالْجَمَاهِيرِ.
وَفِي الدَّقِيقَةِ الأَخِيرَةِ، سَجَّلَ الْفَرِيقُ الأَزْرَقُ هَدَفَ الْفَوْزِ.. فَصَرَخَ الْجُمْهُورُ بِفَرَحٍ: “هَآآآيْ فُزْنَا.. فُزْنَااا!” وَرَكَضَ الْجَمِيعُ نَحْوَ اللَّاعِبِينَ لِتَهْنِئَتِهِمْ.
شَعَرَ سَمْعُونُ بِغَضَبٍ شَدِيدٍ، وَلَمْ يَهْضِمْ فِكْرَةَ الْخَسَارَةِ، فَقَذَفَ كُرَةً عَلَى وَجْهِ أَحَدِ اللَّاعِبِينَ، فَارْتَطَمَتْ بِرَأْسِهِ وَأَسْقَطَتْهُ أَرْضًا، وَقَذَفَ كُرَةً ثَانِيَةً عَلَى بَطْنِ أَحَدِ الْمُشَجِّعِينَ فَتَسَبَّبَتْ فِي إِغْمَائِهِ.
هُنَا، نَهَضَ شَمْشُونُ مِنَ الْمَدَرَّجَاتِ، وَصَرَخَ غَاضِبًا:“غِشٌّ! هَذَا فَوْزٌ كَاذِبٌ، وَالْحَكَمُ لَمْ يَكُنْ عَادِلًا، لَقَدْ حَرَمَنَا مِنْ ضَرْبَةِ جَزَاءِ حَقِيقِيَّةٍ!”ثُمَّ بَدَأَ يُرَاشِقُ كُرَاتِ الثَّلْجِ نَحْوَ جُمْهُورِ الْمُنَافِسِ، مُحَاوِلًا الْوُصُولَ لِلْحَكَمِ وَضَرْبِهِ كَذَلِكَ.
وَمَا هِيَ إِلَّا لَحَظَاتٌ، حَتَّى تَحَوَّلَتِ الْمَدَرَّجَاتُ إِلَى فَوْضَى عَارِمَةٍ.. كَرَاسٍ مَحْطَّمَةٍ، وَالأَعْلَامُ مُمَزَّقَةٌ، وَالْكُرَاتُ تَتَطَايَرُ فِي كُلِّ مَكَانٍ.. تَارَةً تُصِيبُ مُشَجِّعًا فِي جَبْهَتِهِ، وَتَارَةً تصْرِعُ مُشَجِّعَةً وَتَطْرَحُهَا أَرْضًا مِنْ شِدَّةِ الْأَلَمِ.. تَعَالَتِ الْأَصْوَاتُ وَصَارَتِ الْجَمَاهِيرُ تَشْتِمُ بَعْضَهَا بَعْضًا بِعِبَارَاتٍ غَيْرِ لَائِقَةٍ!
تَدَافَعَ الْجُمْهُورُ نَحْوَ بَوَّابَةِ الْخُرُوجِ، مِمَّا تَسَبَّبَ فِي ازْدِحَامٍ شَدِيدٍ، فَسَقَطَ الْبَعْضُ، وَآخَرُونَ تَعَرَّضُوا لِكَدَمَاتٍ وَإِصَابَاتٍ بَالِغَةٍ، وَلَمْ يَقْوَ رِجَالُ الأَمْنِ الثَّلْجِيُّونَ عَلَى السَّيْطَرَةِ عَلَى الْمُشَاغِبِينَ، رَغْمَ مُحَاوَلَاتِهِمِ الشَّدِيدَةِ.
وَفِي وَسَطِ هَذِهِ الْفَوْضَى، كَانَ “ثَلْجُونُ الأَحْمَرُ” يَقِفُ صَامِتًا حَائِرًا، يُرَاقِبُ مَا يَحْدُثُ بِحُزْنٍ شَدِيدٍ، وَأَدْرَكَ أَنَّ الأَمْرَ أَكْبَرُ مِنْ أَيِّ حِيلَةٍ… فَأَخْرَجَ مِنْ جَيْبِهِ عِطْرَ الأُمْنِيَاتِ، وَرَشَّ قَلِيلًا مِنْهُ فِي السَّمَاءِ، فَتَشَكَّلَتْ سَحَابَةٌ ذَهَبِيَّةٌ فَوْقَ الْمَلْعَبِ، وَانْفَجَرَتْ مِنْهَا سُحُبٌ مُلَوَّنَةٌ، لِتَخْرُجَ أَمِيرَةُ الأُمْنِيَاتِ ورَاحَت تُحَلِّقُ بِخِفَّةٍ فَوْقَ الْجَمِيعِ، وَهِيَ تَحْمِلُ قَارُورَةً صَغِيرَةً تَتَلَأْلَأُ بِالأَلْوَانِ.
رَفْرَفَتْ الأَمِيرَة فَوْقَ الْجَمَاهِيرِ الْغَاضِبَةِ، وَرَشَّتْ رَذَاذًا شَفَّافًا عَلَى الْجَمِيعِ.. فَبَدَأَ الْغَضَبُ يَتَلاَشَى مِنَ الْوُجُوهِ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَهَدَأَتِ الأَذْرُعُ الَّتِي تتَصَارَع.
هَبَطَتِ الأَمِيرَةُ بِخِفَّةٍ إِلَى جَانِبِ ثَلْجُونَ، وَهَمَسَتْ لَهُ:“الرَّذَاذُ هَدَّأَ الْقُلُوبَ وَأَفَاقَ عُقُولَهُمْ النَّائِمَةَ، وَحَتَّى يُدْرِكُوا سُوءَ فِعْلَتِهِمْ، عَلَيْكَ أَنْ تُكْمِلَ الْبَاقِي" ثُمَّ ابْتَسَمَتْ، وَابْتَعَدَتْ بِهُدُوءٍ، فَشَكَرَهَا ثَلْجُونُ.
سَارَ ثَلْجُونُ نَحْوَ مُنْتَصَفِ الْمَلْعَبِ، وَرَفَعَ يَدَهُ… وَصَفَّرَ، ثُمَّ حَمَلَ مُكْبَرَ الصَّوْتِ وَهَتَفَ قَائِلًا: “كُرَةُ الثَّلْجِ لَيْسَتْ سِلَاحًا إِنَّهَا لُعْبَةٌ لِنَفْرَحَ بِهَا، لَا لِنُؤْذِيَ بَعْضَنَا الْبَعْضَ، انْظُرُوا إِلَى مَا فَعَلْتُمُوهُ: كَرَاسٍ مَحْطَّمَةٍ، أَطْفَالٌ يَبْكُونَ، مُصَابُونَ يَتَأَلَّمُونَ… أَهَذِهِ مُتْعَةٌ أَمْ خَرَابٌ؟بِلَحْظَةِ غَضَبٍ، نَشَرْتُمُ الْخَوْفَ بَدَلَ الْفَرَحِ، وَالْعُنْفَ بَدَلَ الرِّيَاضَةِ.. أَيْنَ هِيَ الرُّوحُ الرِّيَاضِيَّةُ الَّتِي اجْتَمَعْنَا مِنْ أَجْلِهَا؟”.
هُنَا هَتَفَتْ أَمِيرَةُ الأُمْنِيَاتِ:“الْمُبَارَاةُ تُرْبَحُ بِاللَّعِبِ، لَا بِالْغَضَبِ. وَالْخَسَارَةُ تُعَلِّمُ، لَا تُدَمِّرُ.. تَذَكَّرُوا دَائِمًا أَنَنَا حِينَ نَفْقِدُ أَخْلَاقَنَا، نَخْسَرُ كُلَّ شَيْءٍ، حَتَّى لَوْ فُزْنَا!”.
اقْتَرَبَ ثَلْجُونُ الأَحْمَرُ مِنْ سَمْعُونَ، الَّذِي كَانَ يَلْهَثُ غَاضِبًا، وَقَالَ لَهُ:“نعم، لَقْد خَسِرْتَ الْمُبَارَاةَ، لَكِنْ لَا تَخْسَرْ نَفْسَكَ أَيْضًا.. فَهَلْ سَتَكُونُ سَعِيدًا حِينَ يَتَسَبَّبُ غَضَبُكَ فِي أَذِيَّةِ أَحَدِهِمْ؟”.
شَعَرَ سَمْعُونُ بِالْخَجَلِ، وَكَذَلِكَ شَمْشُونُ، وَاعْتَذَرَا عَنْ فِعْلَتِهِمَا. وَبِهُدُوءٍ، رَاحَا يَجْمَعَانِ كُرَاتِ الثَّلْجِ الْمُبَعْثَرَةِ، وَيُعِيدَانِهَا إِلَى السِّلَالِ، ثُمَّ سَاعَدَا فِي تَنْظِيفِ الْمَدَرَّجَاتِ، وَسُرْعَانَ مَا تَبِعَتْهُمَا الْجَمَاهِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُنَظِّفُ مَا خَرَّبَهِ وَثَلْجُون يُسَاعِدُهُم.
وَحِينَ انْتَهَوْا، أَخْرَجَ ثَلْجُونُ جِيتَارَهُ، وَبَدَأَ يُعْزِفُ لَحْنًا مَرِحًا، فاجْتَمَعَ نَحوهُ الْجَمِيعُ يُصَفِّقُونَ بِمَرَح.. وَهَكَذَا تَحَوَّلَ الْمَلْعَبُ إِلَى مَهْرَجَانٍ صَغِيرٍ، وَغَنَّى الْجَمِيعُ بِصَوْتٍ مَلِيءٍ بِالْحُبِّ وَالسَّلَامِ:نَلْعَبُ مَعًا لَا نَتَشَاجَرْ فَالْخُلُقُ فِي اللَّعِبِ أَجْمَلْ مَنْ فَازَ نَفْرَحْ، مَنْ خَسِرْ نبقى أَصْدِقَاءَ وَنُكَمِّلْ.
وَمُنْذُ ذَلِكَ الْيَوْمِ، لَمْ تَعُدْ تُقَامُ مُبَارَيَاتٌ دُونَ أَنْ يُكْتَبَ عَلَى لَافِتَةِ الْمَلْعَبِ:“اللَّعِبُ فَوْزٌ… وَلَكِن الأَخْلَاق بُطُولَة".