في قَدِيمِ الزَّمَانِ، عَاشَتْ فَتَاةٌ طَيِّبَةُ القَلْبِ تُدْعَى سِندِرِيلا، كَانَتْ رَقِيقَةَ الخُلُقِ، تُحِبُّ مُسَاعَدَةَ الآخَرِينَ، وَتُؤْمِنُ بِأَنَّ اللُّطْفَ قُوَّةٌ لَا تَنْتَهِي. بَعْدَ وَفَاةِ وَالِدَتِهَا، تَزَوَّجَ وَالِدُهَا امْرَأَةً أُخْرَى، حَاوَلَتْ أَنْ تَبْدُوَ لَطِيفَةً فِي البِدَايَةِ، لَكِنَّهَا كَانَتْ قَاسِيَةَ القَلْبِ، تَغَارُ مِنْ جَمَالِ سِندِرِيلا وَهُدُوئِهَا.
عَاشَتِ الفَتَاةُ فِي بَيْتٍ جَمِيلٍ، لَكِنَّهُ كَانَ يَفْتَقِدُ الدِّفْءَ، إِذْ كَانَتْ زَوْجَةُ الأَبِ تَطْلُبُ مِنْهَا أَنْ تَقُومَ بِكُلِّ أَعْمَالِ المَنْزِلِ، مِنْ تَنْظِيفِ الغُرَفِ وَتَرْتِيبِ الأَوَانِي إِلَى الاِعْتِنَاءِ بِالحَدِيقَةِ.
وَرَغْمَ التَّعَبِ، لَمْ تَشْكُ سِندِرِيلا يَوْمًا، بَلْ كَانَتْ تَهْمِسُ لِنَفْسِهَا بِثِقَةٍ: «مَنْ يَصْبِرْ بِالخَيْرِ، يَجِدِ الخَيْرَ فِي النِّهَايَةِ».
وَذَاتَ صَبَاحٍ مُشْرِقٍ، وَصَلَتْ دَعْوَةٌ مَلَكِيَّةٌ إِلَى البَيْتِ، تَدْعُو كُلَّ العَائِلَاتِ إِلَى حَفْلٍ كَبِيرٍ فِي القَصْرِ، حَيْثُ سَيَخْتَارُ الأَمِيرُ فَتَاةً يُشَارِكُهَا حَيَاتَهُ.. امْتَلَأَ البَيْتُ بِالحَمَاسِ، فَبَدَأَتْ زَوْجَةُ الأَبِ وَابْنَتَاهَا بِالْتَّحْضِيرِ لِلْحَفْلِ، وَاشْتَرَيْنَ أَجْمَلَ الثِّيَابِ.. أَمَّا سِندِرِيلا، فَكَانَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ بِابْتِسَامَةٍ صَافِيَةٍ، رَغْمَ شُعُورِهَا بِالْحُزْنِ لِأَنَّهَا لَمْ تَمْلِكْ ثَوْبًا يَلِيقُ بِالِاحْتِفَالِ.
وحِينَ طَلَبَتْ أَنْ تُرَافِقَهُنَّ، سَخِرَتْ مِنْهَا زَوْجَةُ الأَبِ قَائِلَةً: «كَيْفَ تَذْهَبِينَ إِلَى القَصْرِ وَأَنْتِ بِهَذَا المَظْهَرِ؟ ابْقِي هُنَا وَاهْتَمِّي بِالأَعْمَالِ!».
جَلَسَتْ سِندِرِيلا بَعْدَ رَحِيلِهِنَّ قُرْبَ النَّافِذَةِ، تُحَدِّقُ فِي السَّمَاءِ المَلِيئَةِ بِالنُّجُومِ، وَقَلْبُهَا يَهْمِسُ بِأُمْنِيَةٍ خَفِيَّةٍ: أَنْ تَحْظَى بِلَحْظَةِ سَعَادَةٍ وَاحِدَةٍ.
فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ الهَادِئَةِ، لَمَعَتْ أَمَامَهَا أَنْوَارٌ جَمِيلَةٌ، وَظَهَرَتْ سَاحِرَةٌ طَيِّبَةٌ يَشِعُّ وَجْهُهَا نُورًا وَطُمَأْنِينَةً، قَالَتْ بِلُطْفٍ: «لَا تَبْكِي يَا عَزِيزَتِي، أَنَا السَّاحِرَةُ الطَّيِّبَةُ، جِئْتُ لِأُكَافِئَ طِيبَتَكِ» رَفَعَتْ عَصَاهَا السِّحْرِيَّةَ، فَتَحَوَّلَ ثَوْبُ سِندِرِيلا البَسِيطُ إِلَى فُسْتَانٍ مَلَكِيٍّ بَرَّاقٍ، وَحِذَاؤُهَا إِلَى زُجَاجٍ صَافٍ يَلْمَعُ كَالْقَمَرِ.
أَمَّا العَرَبَةُ القَدِيمَةُ فِي الحَدِيقَةِ، فَقَدْ صَارَتْ عَرَبَةً مُذْهِلَةً تَجُرُّهَا خُيُولٌ بَيْضَاءُ كَأَنَّهَا خَرَجَتْ مِنَ الحُلْمِ.
ابْتَسَمَتِ السَّاحِرَةُ الطَّيِّبَةُ وَقَالَتْ: «اذْهَبِي إِلَى الحَفْلِ، لَكِنْ تَذَكَّرِي أَنْ تَعُودِي قَبْلَ مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ، فَإِنَّ السِّحْرَ لَا يَدُومُ بَعْدَ ذَلِكَ».
دَخَلَتْ سِندِرِيلا القَصْرَ بِخُطُوَاتٍ خَجُولَةٍ، فَعَمَّ الصَّمْتُ المَكَانَ، وَأَبْهَرَ الحَاضِرِينَ جَمَالُهَا الهَادِئُ وَأَنَاقَتُهَا الرَّقِيقَةُ.. اقْتَرَبَ الأَمِيرُ مِنْهَا بِإِعْجَابٍ، وَدَعَاهَا إِلَى الرَّقْصِ، فَتَحَدَّثَا طَوِيلًا وَضَحِكَا مَعًا، وَشَعَرَ بِأَنَّ قَلْبَهُ وَجَدَ الرَّاحَةَ الَّتِي كَانَ يَبْحَثُ عَنْهَا.. وَلَكِنْ حِينَ دَقَّتِ السَّاعَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ، تَذَكَّرَتْ سِندِرِيلا وَعْدَهَا، فَهَرَعَتْ خَارِجَ القَصْرِ، لتَسْقُطَ إِحْدَى فَرْدَتَي حِذَائِهَا الزُّجَاجِيِّ عَلَى الدَّرَجِ وَهِيَ تَرْكُضُ نَحْوَ العَرَبَةِ الَّتِي عَادَتْ سَرِيعًا إِلَى شَكْلِهَا القَدِيمِ.
فِي الصَّبَاحِ التَّالِي، أَعْلَنَ الأَمِيرُ أَنَّهُ سَيَبْحَثُ عَنْ صَاحِبَةِ الحِذَاءِ الزُّجَاجِيِّ فِي أَنْحَاءِ المَمْلَكَةِ، لِأَنَّ قَلْبَهُ لَمْ يَعْرِفِ السَّعَادَةَ إِلَّا بِرِفْقَتِهَا.
جَابَ الخَدَمُ البُيُوتَ وَاحِدًا تِلْوَ الآخَرِ، وَلَكِنَّ الحِذَاءَ لَمْ يُنَاسِبْ أَيَّ فَتَاةٍ.. وَأَخِيرًا، وَصَلُوا إِلَى بَيْتِ سِندِرِيلا، فَحَاوَلَتْ زَوْجَةُ الأَبِ مَنْعَهَا مِنَ التَّجْرِبَةِ، غَيْرَ أَنَّ الخَادِمَ أَصَرَّ بِأَدَبٍ.
جَلَسَتِ الفَتَاةُ بِهُدُوءٍ، وَعِنْدَمَا وَضَعَتْ قَدَمَهَا فِي الحِذَاءِ، انْزَلَقَ بِسُهُولَةٍ كَمَا لَوْ أَنَّهُ صُنِعَ لَهَا وَحْدَهَا.. عِنْدَهَا أَدْرَكَ الجَمِيعُ أَنَّهَا هِيَ الفَتَاةُ الَّتِي أَبْهَرَتِ القَصْرَ بِجَمَالِهَا وَطِيبَتِهَا.
عَادَ الأَمِيرُ وَمَعَهُ سِندِرِيلا إِلَى القَصْرِ، وَأُقِيمَ حَفْلُ زِفَافٍ مَلِيءٌ بِالفَرَحِ وَالمَحَبَّةِ.
لَمْ تَنْسَ سِندِرِيلا يَوْمًا مَا عَلَّمَتْهَا الحَيَاةُ إِيَّاهُ: أَنَّ اللُّطْفَ لَا يَضِيعُ، وَأَنَّ الخَيْرَ مَهْمَا تَأَخَّرَ يَعُودُ إِلَى صَاحِبِهِ مُضَاعَفًا.
عَاشَتْ فِي القَصْرِ حَيَاةً سَعِيدَةً، وَلَمْ تَتَوَقَّفْ عَنْ مُسَاعَدَةِ النَّاسِ وَالعَطْفِ عَلَى الضُّعَفَاءِ، لِأَنَّ قَلْبَهَا ظَلَّ مُؤْمِنًا بِأَنَّ السَّعَادَةَ الحَقِيقِيَّةَ تُولَدُ مِنَ النِّيَّةِ الصَّافِيَةِ وَالعَمَلِ الطَّيِّبِ.