
الجزء 1
فِي يَوْمٍ مُشْرِقٍ وَبَارِدٍ فِي مَدِينَةِ الثَّلْجِ الْمُلَوَّنَةِ، اجْتَمَعَ
السُّكَّانُ فِي السَّاحَةِ الْعَامَّةِ لِيَحْتَفِلُوا بِمُنَاسَبَة: عِيدُ
الْحَلْوَى الْمُثَلَّجَةِ.
رَشتْ أَمِيرَةُ الأُمْنِيَاتِ قَليلاَ منِ عطرِهَا السَحْرِي وَصَنَعَتْ
كَعْكَةً عَجِيبَةً، مَغْطَّاةً بِالْكَرِيمَةِ الْبَيْضَاءِ، تَتَلَأْلَأُ فَوْقَهَا
حُبَيْبَاتٌ مِنَ الثَّلْجِ الذَّهبي.. وَفِي الدَّاخِلِ كَانَتْ نُكْهَةُ
اللَّيْمُونِ الْمُنْعِشَةِ تُعبقها.
وَكَذلِكَ ثَلْجُونُ الأَحْمَرُ وَجَمِيعُ السُكَان، مِنْ رِجَالِ الثَلْجِ
المُلَوَّنِينَ، صَنَعوا فِي بُيُوتِهم أَحْلَى وَأَشْهَى الحَلَويَات.

خرَجَ الجَمِيعُ مِن بُيُوتِهم وصَاحُوا فِي فَرَحٍ: "عِيدٌ
سَعِيدٌ! عِيدٌ مُثَلَّجٌ جَمِيلٌ!”.. وَلَكِن حِينَ جَاءَ الْوَقْتُ
لِقَطْعِ الْكَعْكَةِ التِي جَهَزتهَا لَهُم أَمِيرَة الأُمنيات اكْتَشَفوا
أَنَّها قَدِ اخْتَفَتْ قِطَعٌ كَثِيرَة مِنهَا وَصارَت مُشَوَهَة!
ارْتَفَعَ صَوْت الحُضُورِ، وَصَارَ كُل وَاحِدٍ يَتَّجِهُ بِالنَّظَرِ إِلَى
الآخَرِ بِاسْتِغْرَابٍ.. فَقَالَتْ أَمِيرَةُ الأُمْنِيَاتِ بِصَوْتٍ غَاضِبٍ:
“مَن السَارِقُ الذِي أَفْسَدَ كَعْكَة حفْلَتِي، سِحْرِي يُخْبِرُنِي
أَنَّ الْحَقِيقَةَ هُنَا بَيْنَنَا… وَالْخَائِنُ سَيَنْكَشِفُ وَلَوْ بَعْدَ
حِينٍ".
دَخَلَ رَجُلُ الثَلْجِ الأَحْمَر المُلَقَب بثَلْجُون الْأَحْمَرُ
السَّاحَةَ، وَتَأَمَّلَ الْجَمْعَ بِعَيْنَيْهِ الثَاقِبَتَين، ثُمَّ تَوَقَّفَ أَمَامَ
حَمْدُون وتَسَاءَل بِغرَابَةٍ: “لِمَاذَا تَرْتَعِدُ يَا حَمْدُونْ؟”.
اسْتَقَامَ حَمْدُونْ مُبْتَسِمًا، وَقَالَ بِصَوْتٍ مُتَصَنِّعٍ: “مَنْ؟
أَنَا؟ أَنَا لَسْتُ خَائِفًا… وَلَا أَعْلَمُ شَيْئًا عَنِ الْكَعْكَةِ”..
هَمَسَ البَعْضُ: “إنَهُ يرتَجِفُ حَقًا؟”.
هتف ثَلْجُونُ الأحْمَر قَائِلًا: “امممم، هَذَا غَرِيبٌ… أَشُمُّ
رَائِحَةَ اللَّيْمُونِ تَنْبَعِثُ مِن فَمِكَ، وَأرَى آثَارَ السُكَّر
الأصفر عَلَى يَدَيْكَ".
تلَاوَنَ وَجْهُ حَمٌدُون، وَقَالَ بِاضْطِرَابٍ: “إ.. إِنَّهُ غُبَارُ ثَلْجٍ،
لَيْسَ سُكَّرًا! أَنْتَ مخْطِئُ، يَا ثَلْجُون!”... وَكُلَّمَا تَكَلَّمَ،
كَانَ صَوْتُهُ يَرْتَعِشُ أَكْثَرَ، فَقَالَتْ أَمِيرَةُ الأُمْنِيَاتِ وَهِيَ
تَرُشُ عِطْرهَا السِحْرِي فَوقَهُ: “سحْرُ الْحَقِيقَةِ سَيُظْهِرُ
الْمُخْتَفِي".
وَفَجْأَةً تَسَاقَطَتْ مِنْ فَمِ حَمْدُون قُطَيْرَاتٌ صَغِيرَةٌ مِنْ
كَرِيمَةِ اللَّيْمُونِ أَمَامَ الْجَمِيعِ!!
خفّض حَمدُون رَأْسُهُ بَعْدَ انْكِشَافِ حَقِيقَتِهِ، وَاعْتَرَفَ
أَخِيرًا: “نَعَم… أَنَا مَنْ سَرَقَ قِطَعَ الكَعْكِ..لَقَد اشْتَهَيتُهَا
بِشِدَةٍ ولَمٌ أَستَطِع الصَبْرَ حَتَى وَقْت الاحتفَال".

رَدَ ثَلْجُونُ بِصَوْتٍ حَازِمٍ: “السَّرِقَةُ والكَذِبُ يُفْقِدَانِكَ
هَيبَتَك بَيْنَنَا ولَنْ تَستَطِيعَ تَلْمِيعَهَا مَهْمَا حَاوَلت".
وَأضَافَت أَمِيرَةُ الأُمْنِيَاتِ قَائِلةً: “فِي عِيدِ الْحَلْوَى
الْمُثَلَّجَةِ، نُرِيدُ الْحَقَّ وَالْمَحَبَّةَ، لَا الْكَذِبَ وَالْخِدَاعَ، أُنْظُر
كَيْفَ خَرَبْتَ احتِفَالنَا السَعِيد بِسَبَب أناَنِيَتَك!!".
صَفَّقَ الْجَمِيعُ لَهَا بَعْدَ أَن لقَنُوا حَمْدُون اللِصَ دَرْسًا اَنْ
يَنْسَاه وَتَقَاسَمُوا كَعْكة اُخْرَى صَنَعَها ثلجون في بَيْتِه
وَجَلَبَهَا لَهُم احتفالاً بالمُناسبةِ.
وَهَكَذَا تَعَلَّمَ حَمْدُون دَرْسًا مُهِمًّا: أَنَّ الْكَذِبَ يُخْفِي
الْحَقِيقَةَ لوقَت، وَلَكِنَّ الْحَقَّ يَظْهَرُ دَائِمًا.