كَانَ هُنَاكَ نَبِيٌّ صَالِحٌ يُدْعَى إِدْرِيس عَلَيْهِ السَّلَامُ، نَبِيٌّ
صَادِقٌ وَمُؤْمِنٌ، أَطَاعَ اللهَ فِي كُلِّ أُمُورِهِ، وَعَلَّمَ قَوْمَهُ الْخَيْرَ.
وَقَدْ ذَكَرَهُ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ قَائِلًا:“وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ
إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا” (سورة
مريم: 56-57).
كَانَ إِدْرِيسُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَدْعُو قَوْمَهُ لِعِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ وَتَرْكِ
الْمَعَاصِي، وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ لَمْ يَسْتَجِبُوا لِدَعْوَتِهِ، كَمَا ذَكَرَ
الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: “كَانَ يَدْعُو قَوْمَهُ لِعِبَادَةِ اللهِ وَتَرْكِ
الْفَسَادِ، فَلَمْ يَسْتَجِبْ لَهُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ”.
لَمَّا ضَاقَ صَدْرُهُ بِأَذِيَّةِ قَوْمِهِ، سَافَرَ إِدْرِيسُ إِلَى مِصْرَ وَعَاشَ
عَلَى ضِفَافِ نَهْرِ النِّيلِ، يُعَلِّمُ النَّاسَ الْعُلُومَ النَّافِعَةَ:
كَيْفَ يَبْنُونَ الْمُدُنَ وَيُنَظِّمُونَهَا.
كَيْفَ يَزْرَعُونَ الْأَرْضَ لِيَحْصُلُوا عَلَى أَفْضَلِ الْحُبُوبِ وَأَطْيَبِ
الثِّمَارِ.
كَيْفَ يَصْنَعُونَ الْمَلَابِسَ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ كَتَبَ بِالْقَلَمِ.
كَمَا عَلَّمَهُمْ عَنِ النُّجُومِ وَالْفَلَكِ، وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ: “عَلَّمَ أَهْلَ
مِصْرَ شَتَّى الْعُلُومِ النَّافِعَةِ، وَكَانَتْ لَهُ مَنزِلَةٌ عَظِيمَةٌ بَيْنَهُمْ”.
وَمَعَ تَقَدُّمِهِ فِي الْعُمْرِ، دَعَا إِدْرِيسُ عَلَيْهِ السَّلَامُ اللهَ أَنْ
يُوَفِّقَهُ لِعِبَادَتِهِ وَيَزِيدَهُ مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَاسْتَجَابَ اللهُ دُعَاءَهُ
وَرَفَعَهُ إِلَى مَكَانٍ عَلِيٍّ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
“وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا”.
وَفِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، حَظِيَ إِدْرِيسُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِلِقَاءِ
سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِحْلَةِ الإِسْرَاءِ
وَالمِعْرَاجِ، وَكَانَ لَهُ شَرَفٌ وَمَكَانَةٌ عَظِيمَةٌ بَيْنَ الأَنْبِيَاءِ.
وهَكَذَا عَاشَ إِدْرِيسُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَيَاةً مَلِيئَةً بِالصَّلاحِ
وَالعِلْمِ، يُعَلِّمُ النَّاسَ الْخَيْرَ وَيَكُونُ قُدْوَةً فِي طَاعَةِ اللهِ.