أَحْـلَى مَـامَا / تأليف: حنان مهدي

فِي بَيْتٍ دافِئٍ يَمْلَؤُهُ صَوْتُ الضَّحِكِ، عاشت جِنَان وَجُنَّى وَلُجَيْنُ مَعَ ماما زَيْنَب.


كانَتِ اللُّعْبَةُ لا تَنْتَهِي فِي النَّهارِ، وَتَحلُّ الحِكاياتُ كَالنُّجُومِ فِي اللَّيْلِ.

ذاتَ مَساءٍ، جلست جُنَّى إلى أُختِها جِنَانْ وَقالَت وَهِيَ تَفكِّرُ:
“قَرَأتُ فِي إحْدى القِصَصِ أَنَّ فِي العالَمِ أُمَّهَاتٍ خارِقاتٍ.. تُرَى مَنْ هِيَ أَحْلَى ماما فِي الدُّنْيا؟”.


ابتَسَمَت جِنَانْ وَقالَت: “رُبَّما هِيَ الَّتِي تُعْطِي قُوَّتَها كُلَّها لِتَحْمِي صِغارَها!!”.


سَمِعَتْهُما لُجَيْن، فَضَحِكَت بِبَرَاءَةٍ وَقالَت: “أَنَا أَعْرِفُ الإِجَابَة! ماما زَيْنَب عِنْدَها قَلْبٌ سِحْرِيٌّ”.


تَبادَلَتِ التَّوْأَمَتَانِ النَّظَرَاتِ، وَبَدَأَت مَغَامَرَتُهُما لاكْتِشافِ السِّرِّ.


فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، مَرِضَت لُجَيْن بِشِدَّةٍ.. ظَنَّت جَنَان أَنَّ ماما سَتَتْرُكُها تَرْتَاحُ، لَكِنَّ ماما ظَلَّت سَاهِرَةً، تَمْسَحُ جَبِينَ أُخْتِها الصَّغِيرَةَ وَتَهْمِسُ لَها بِكُلِّ حُبٍّ:

 “سَتَكُونِينَ بِخَيْرٍ يَا نَجْمَتِي الصَّغِيرَةُ” وَرَاحَت تُغَنِّي لَها أُغْنِيَةً هادِئَةً:


“نامِي يَا حَلَوَتِي

لا خَوْفٌ يَدْنُو مِنْكِ

مَا دَامَ قَلْبِي يَحْضُنُكِ

مَامَا هُنَا لِتَحْمِيكِ”.


هُنَا، قَالَت جِنَان مُنْدَهِشَةً:“مَعْقُولٌ؟ ماما لَمْ تُغْمِضْ عَيْنَيْها مُطْلَقًا رُغْمَ أَنَّهَا مُتْعَبَةٌ!”

أَجَابَت جُنَّى: “قَلْبُهَا السِّحْرِي يجْعَلُهَا لا تَتْعَبُ”.


قَفَزَت جنى وَهِي تُصَفِّقُ: “أَنَا عَرَفْتُ السِّرَّ! مَامَا مَلِكَةُ الحُبِّ”.. 

ضَحِكَت ماما زَيْنَب قَائِلةً بِهُدُوءٍ: “صَحِيحٌ… قَلْبِي لا يَتْعَبُ، لأَنَّهُ يَعِيشُ بِكُنَّ”.. ثُمَّ ضَمَّت كِلْتَا التَّوْأَمَتَيْنِ، فِيمَا لُجَيْن تنام فوق السَّرِيرِ ..وغَنَّت لَهُنَّ بَعْدَهَا أُغْنِيَةً أُخْرَى، ثُمَّ غَفَوْا جَمِيعًا كَالْفَرَاشَاتِ فِي حَدِيقَةٍ مِنَ الحُبِّ.


وَبَعْدَ أَيَّامٍ، عَادَت جُنَّى مِنَ المَدْرَسَةِ وَدُمُوعُهَا تَلْمَعُ فِي عَيْنَيْها.


رَكَضَت إِلَى ماما وَقَالَت بِصَوْتٍ مُتَهَدِّجٍ: “صَدِيقَتِي جَلَسَت مَعَ غَيْرِي.. وَقَالَت إِنَّهَا لا تُرِيدُ أَنْ تَلْعَبَ مَعِي”.


مَسَحَت ماما دُمُوعَهَا وَقَالَت بِلُطْفٍ: “يَا حَبِيبَتِي، أَحْيَانًا يَغْضَبُ الأَصْدِقَاءُ أَوْ يَبْتَعِدُونَ قَلِيلًا، لَكِنَّ المَحَبَّةَ تُعِيدُهُمْ دَائِمًا.. حَاوِلِي أَنْ تُظْهِرِي لَهَا قَلْبَكِ الطَّيِّبَ”.. فَفكَّرَت جُنَّى طَوِيلًا فِي كَلاَمِ ماما تِلْكَ اللَّيْلَةَ.


وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي، جَلَسَت جُنَّى فِي سَاحَةِ المَدْرَسَةِ، وَفَجْأَةً لَاحَظَت أَنَّ صَدِيقَتَهَا لَمْ تُحْضِرْ لُمجَتَهَا.. فاقْترَبت مِنْهَا بِخُطُوَاتٍ مُتَرَدِّدَةٍ، ثُمَّ قَالَت بِابْتِسَامَةٍ: 

“خُذِي… تَنَاوَلِي مَعِي لُمجَتِي”.


نَظَرَت إِلَيْهَا الصَّدِيقَةُ بِدَهْشَةٍ، ثُمَّ ابْتَسَمَت بِخَجَلٍ وَقَالَت:“شُكْرًا جُنَّى عَلَى لُطْفِكِ مَعِي دَوْمًا… وَأَنَا آسِفَةٌ لِأَنِّي ابْتَعَدْتُ عَنْكِ”.. فَعَانَقَت جُنَّى صَدِيقَتَهَا، وَعَادَتَا لِلْعِبِ مَعًا كَمَا مِنْ قَبْلِ.


وَفِي الْمَسَاءِ، أَسْرَعَت جُنَّى إِلَى ماما وَقَالَت بِوَجْهٍ مُضِيءٍ:“كَانَ عِنْدَكِ حَقٌّ… المَحَبَّةُ تُعِيدُ كُلَّ شَيْءٍ جَمِيلٍ”.


وَبَعْدَ أُسْبُوعٍ.. عَادَت جِنَان مِنَ المَدْرَسَةِ وَعَلَى وَجْهِهَا مَلَامِحُ حُزْنٍ وَاضِحَةٍ.


جَلَسَت بِجَانِبِ ماما وَقَالَت بِصَوْتٍ خَجُول:  “لَمْ أَعْرِف كَيْفَ أَحُلُّ مَسْأَلَةَ الرِّيَاضِيَّاتِ… وَالمُعَلِّمَةُ طَلَبَت مِنِّي الإِجَابَةَ أَمَامَ الجَمِيعِ”.


رَبَّتَت ماما عَلَى كَتِفِهَا وَقَالَت بِهُدُوءٍ: “لا تَحْزَنِي يَا صَغِيرَتِي.. فَأَخْطَاؤُنَا هِيَ جُسُورُ تَعَلُّمِنَا.. هَيَّا نُجَرِّب حَلَهَا مَعًا”.


أَخَذَت ماما دَفْتَرَ جِنان، وَشَرَحَت لَهَا بِكَلِمَاتٍ مُبَسَّطَةٍ، ثُمَّ طَلَبَت مِنْهَا أَنْ تُحَاوِلَ مَرَّةً أُخْرَى.


كَتَبَت جِنانٌ الأَرْقَامَ بِيَدَيْهَا الصَّغِيرَتَيْنِ، وَمَعَ كُلِّ خُطْوَةٍ كَانَتْ عَيْنَاهَا تَلْمَعُ أَكْثَرَ.. وَمَا هِيَ إِلَّا دَقَائِقَ حَتَّى صَفَّقَت بِفَرَحٍ وَهَلَلَت فَرَحًا: “نَجَحْت! حَلَلْتُهَا يَا ماما!”.


ضَحِكَت ماما وَضَمَّتْهَا إِلَى صَدْرِهَا وَقَالَت: “أَنَا فَخُورَةٌ بِك… لأَنَّك لَمْ تَسْتَسْلِمِي”.


وَماهِي إِلاَ لحَظات ارْتَعَدَت لُجَيْن مِن صَوْتِ الرَّعْدِ.. فانتفضت ماما زَيْنَب إِلَى سَرِيرِهَا مسرعة، وَضَمَّتْهَا قَرِيبًا قائلة: “مَعِي أَنْتِ فِي أَمَانٍ”.

أَغْمَضَت لُجين الصَغيرَة عَيْنَيْهَا وَتَخَيَّلَت أَنَّ لِماما جَنَاحَيْن وَاسِعَيْن يُظَلِّلانِهَا مِثْلَ الغُيُومِ.. ثُمَّ ابْتَسَمَت وَغَفَت مُطْمَئِنَّةً.


أَدْرَكَتِ الفَتَيَاتُ الصَّغِيرَاتُ كَمْ تَتْعَبُ أُمُّهُنَّ مِنْ أَجْلِهِنَّ وَمِنْ أَجْلِ سَعَادَتِهِنَّ وَحَلِّ مَشاكِلِهِنَّ. لِذَلِكَ اجْتَمَعْنَا فِي الصَّبَاحِ وَهَلَّلْنَا واَحِدَة تِلْوَى الأُخرَى:

قَالَت جِنَانٌ: “ماما هِيَ الأَمَانُ”.
فَرَدَت جُنَّى: “ماما هِيَ القُوَّةُ”.
لتَصرخَ لُجَيْن: “ماما هِيَ السِّحْرُ”.


ثُمَّ هَتَفْنَ مَعًا: “أَحْلَى ماما فِي العَالَمِ هِي.. ماما زَيْنَب!”.


ضَحِكَت الماما بِقَلْبٍ مَلِيءٍ بِالفَرَحِ، وَاحْتَضَنَتْهُنَّ جَمِيعًا كَفَرَاشات لَطِيفَات، وَهِيَ تَقُولُ بِفَخْرٍ:

“أَنْتُنَّ أَحْسَنُ البَنَاتِ..

 وَكُنَّ لِبَعْضِكُنَّ أَحْسَن الأخَوَاتِ".