الأَمِيرَةُ وَالأَرْنَبُ السِّحْرِيُّ | تأليف: حنان مهدي

فِي مَمْلَكَةٍ بَعِيدَةٍ يَغْمُرُهَا الضِّيَاءُ، عَاشَتْ أَمِيرَةٌ تُدْعَى مِيَار. لَمْ تَكُنْ تُحِبُّ الجُلُوسَ طَوِيلًا فِي القَصْرِ، بَلْ كَانَتْ تَخْرُجُ كُلَّ يَوْمٍ لِتَسْتَكْشِفَ الغَابَةَ وَتَسْمَعَ حِكَايَاتِ الطُّيُورِ وَهَمَسَاتِ الأَشْجَارِ.


ذَاتَ صَبَاحٍ، وَجَدَتْ أَرْنَبًا أَبْيَضَ صَغِيرًا عَالِقًا بَيْنَ الأَغْصَانِ، وَكَانَ يَلْمَعُ كَأَنَّهُ قِطْعَةٌ مِنَ القَمَرِ. حَرَّرَتْهُ بِرِفْقٍ، وَحَمَلَتْهُ مَعَهَا إِلَى القَصْرِ، وَاعْتَنَتْ بِجُرْحِهِ حَتَّى شُفِيَ. وَمُنْذُ ذَلِكَ اليَوْمِ، صَارَ الأَرْنَبُ صَدِيقَهَا المُخْلِصَ، وَسَمَّتْهُ “نُورًا”، لِأَنَّهُ كَانَ يُضِيءُ لَهَا الدَّرْبَ عِنْدَمَا يَشْتَدُّ الظَّلَامُ.


وَلَكِنْ ذَاتَ لَيْلَةٍ، غَطَّى السَّوَادُ المَمْلَكَةَ كُلَّهَا، فَغُيُومٌ ثَقِيلَةٌ حَجَبَتِ الشَّمْسَ، وَارْتَجَفَ النَّاسُ مِنَ الخَوْفِ. قَالَ الحُكَمَاءُ إِنَّ “حَارِسَةَ الغَابَةِ المُظْلِمَةِ” قَدِ اسْتَيْقَظَتْ مِنْ سُبَاتِهَا، وَأَطْلَقَتْ سِحْرَهَا الأَسْوَدَ.


قَرَّرَتِ الأَمِيرَةُ أَنْ تُوَاجِهَ هَذَا الظَّلَامَ، فَأَمْسَكَتْ بِيَدِ نُورٍ وَقَالَتْ: “لَنْ أَدَعَ مَمْلَكَتِي تَغْرَقُ فِي الخَوْفِ، سَنُوَاجِهُهَا مَعًا.”
فِي رِحْلَتِهِمَا وَاجَهَا تَحَدِّيَاتٍ خَطِيرَةً، فَقَدْ كَانَ هُنَاكَ نَهْرٌ هَائِجٌ حَاوَلَ ابْتِلَاعَهُمَا، وَلَكِنَّ نُورًا قَفَزَ فَوْقَ الحِجَارَةِ وَكَشَفَ لِمِيَارَ الطَّرِيقَ.

 وَكَانَتْ أَشْجَارٌ عِمْلَاقَةٌ قَدْ أَغْلَقَتِ الطَّرِيقَ، فَدَفَعَتْهَا مِيَارُ بِكُلِّ قُوَّتِهَا حَتَّى انْفَتَحَتْ مَمَرَّاتٌ ضَيِّقَةٌ. ثُمَّ ظَهَرَتْ ذِئَابٌ جَائِعَةٌ أَرَادَتْ مُهَاجَمَتَهُمَا، وَلَكِنَّ الأَرْنَبَ خَدَعَهَا بِقَفَزَاتِهِ السَّرِيعَةِ حَتَّى ابْتَعَدَتْ.

 وَفِي كَهْفٍ مُظْلِمٍ امْتَلَأَ بِالخَفَافِيشِ، أَضَاءَ نُورٌ أُذُنَيْهِ فَهَدَأَتِ المَخْلُوقَاتُ وَفَتَحَتْ لَهُمَا الطَّرِيقَ.


وَأَخِيرًا وَصَلَا إِلَى قَصْرِ الحَارِسَةِ، فَكَانَتْ عَيْنَاهَا تَلْمَعَانِ كَالجَمْرِ، وَصَوْتُهَا يَهْدُرُ كَالعَاصِفَةِ، وَقَالَتْ: “أَيُّهَا البَشَرُ، أَنْتُمْ ضُعَفَاءُ، لَا مَكَانَ لِلضِّيَاءِ هُنَا ».


رَفَعَتِ الأَمِيرَةُ رَأْسَهَا وَقَالَتْ بِثَبَاتٍ: “لَنْ تَنْتَصِرَ الظُّلْمَةُ مَا دَامَ فِي قُلُوبِنَا نُورٌ.” وَابْتَسَمَتِ الحَارِسَةُ بِسُخْرِيَّةٍ، ثُمَّ أَطْلَقَتْ رِيَاحًا سَوْدَاءَ وَأَشْبَاحًا مُظْلِمَةً لِتُخِيفَهُمَا، فَارْتَجَفَتِ الأَشْجَارُ وَارْتَفَعَ صُرَاخُ الغَابَةِ. وَلَكِنَّ مِيَارَ تَمَسَّكَتْ بِصَدِيقِهَا وَقَالَتْ: “لَنْ نُهْزَمَ لِأَنَّنَا مَعًا.”


عِنْدَهَا أَطْلَقَ الأَرْنَبُ نُورًا قَوِيًّا اخْتَرَقَ العَاصِفَةَ، وَأَمْسَكَتْ مِيَارُ بِيَدِ الحَارِسَةِ وَقَالَتْ: “انْظُرِي، هَذَا النُّورُ لَيْسَ سِحْرًا، إِنَّهُ صَدَاقَةٌ وَوَفَاءٌ، تَعَالَيْ مَعَنَا، لَنْ تَبْقَيْ وَحِيدَةً بَعْدَ اليَوْمِ.”
تَجَمَّدَتِ الحَارِسَةُ وَانْهَمَرَتْ دُمُوعُهَا، وَخَفَتَتِ الرِّيَاحُ وَتَلَاشَتِ الأَشْبَاحُ.

 وَبِبُطْءٍ اخْتَفَى السَّوَادُ مِنَ المَمْلَكَةِ، وَعَادَ الضِّيَاءُ إِلَى القُلُوبِ قَبْلَ أَنْ يَعُودَ إِلَى السَّمَاءِ.


وَمُنْذُ ذَلِكَ اليَوْمِ عَاشَ الجَمِيعُ بِسَلَامٍ، فَصَارَتِ الحَارِسَةُ صَدِيقَةً لِلْغَابَةِ بَدَلَ عَدُوَّةٍ، وَصَارَ الأَرْنَبُ نُورٌ رَمْزًا لِلأَمَلِ، وَتَعَلَّمَ أَهْلُ المَمْلَكَةِ أَنَّ الشَّجَاعَةَ وَالرَّحْمَةَ مَعًا تَصْنَعَانِ أَقْوَى سِحْرٍ.